رواية " استراحة " كاملة جميع الفصول بقلم محمد عصمت
مش مظبوط، قلبي بيدُق بقوة وريقي ناشِف، قرَّرت أقعد أرتاح شوية، آخد نَفَسي وأفكَّر شوية في اللي بيحصل، أكيد له تفسير.. صح! كُل حاجة في الدنيا لها تفسير! مفيش حاجة بتحصل بدون تفسير منطقي! أكيد فيه تفسير.. بس.. بس لازِم أهدا شوية كدا وآخد نفسي وأفكَّر بهدوء!
سمعت صوت عربية بتُقف أدام الاستراحة، افتكرت الكلام اللي كان في الليستة، وكُنت على وشك أقوم أشوف العربية اللي وصلِت نوعها إيه ولونها إيه، بس بعدها وقفت مكاني وفكَّرت.. العربية دي لو تويوتا زرقا لأي سبب من الأسباب، هخاف وهترعِب ومُمكِن يحصلي حاجة من الرُعب، وفي الآخر.. تطلع عيلة مسكينة تاهوا ولا تعبوا من السواقة بالليل، فضلت مكاني.. سمعت صوت خطواتهم وهما طالعين على السلم، وشُفتهم بعد ثواني..
راجل مُحترم لابس قميص وبنطلون جينز، ست عادية جدًا لابسة فستان عادي جدًا، وولد صُغيَّر باين في عينيه الشقاوة، عيلة عادية جدًا زي ما كُنت متوقِّع، رحت أستقبلهم وأنا مُبتسِم، بحاول أتماسَك كدا وأنا بقولهم: " أهلًا وسهلًا.. نورتوا الاستراحة "
ابتسموا وهما بيقعدوا على ترابيزة قريبة، سألتهم: " تشربوا إيه؟ "
الأب رد عليَّا وقال: " الولد عايز يدخُل الحمَّام الأول.. مُمكِن؟ "
بلعت ريقي بصعوبة وأنا ببُص على باب الحمَّام بطرف عيني، حاسس اني سمعت صوته قبل كدا، شاورت على الحمَّام وأنا بقولّه: " طبعًا، الحمَّام هناك أهو "
ابتسم وهو بيقول: " مش المفروض تسمح لها بالخروج الأول طيب؟ "
ساعتها افتكرت أنا سمعت صوته فين! أنا سمعت صوته في التليفون! هو دا.. هو دا اللي كلمني من شوية في التليفون! شهقت من الخوف وأنا برجَع لورا وبقولّه: " إنت مين؟ "
ضحك بصوت عالي، صوته كان عالي لدرجة أني حطيت إيدي على ودني، لمبات الاستراحة بدأت تتكسَّر واحدة ورا التانية، النور بينسحِب والضلمة بتسيطر، الطريق برا مفيش عليه عواميد نور، سمعت صوته بيقول من بين ضحكاته: " أنا؟ أنا كابوسك اللي مش هيفارقك عمرك كله! "
رجعت لورا أكتر وأنا بقول: " إنت مين؟ "
لفيت وشي وبدأت أجري، الترابيزات والكراسي كانِت بتطير من حواليا وأنا بجري زي المجنون، سمعت صوت خبط من باب الحمَّام من جوا، كانِت بتضحَك هي كمان وهي بتقول: " خرجني يا عمو "
صوت ضحكه المجنون.. صوت خبطها على باب الحمَّام من جوا.. صوت الكراسي والترابيزات وهي بتطير قبل ما تقع على الأرض.. صوت أبواب التلاجات وهي بتتفتح وتتقفل.. صوت فرقعة اللمبات.. جريت زي المجنون مش عارِف أروح فين!
مكانش فيه وقت أفكَّر، بصيت على الطريق.. مكانش فيه ولا عربية!